من آخــر مقــالات الراحـــل الدكتــور فريـــد الأنصـــاري رحمه الله

من آخــر مقــالات الراحـــل الدكتــور فريـــد الأنصـــاري رحمه الله

03 فبراير 2019

من أهم مصادر الجمال في الإسلام عقيدةُ اليوم الآخر، لكننا لن نذوق جماليتها إلا بعد معرفة ما "العمر"؟ هذا الامتداد الزماني الحاد المحدود، الذي يحد فترة حياة الإنسان، من الولادة إلى الممات. العمر هبة إلهية كبرى.. إنه تجلٍّ من تجليات الحياة، بيد أن حقيقته نسبية ككل حقائق الحياة الدنيا. فليس فيه -إذا تفكرت- طويل وقصير، وإنما هو قصير كله. فمن حيث منطق الأشياء وطبائعها: كل ما ابتدأ لينتهي لا يكون إلا قصيرا. أليس كل الناس يموتون بعد سنوات من تاريخ ميلادهم؟! نعم، سنوات، وإن هي إلا سنوات، لا مئات السنين، ولا آلافها. ثم إن المقارنة النسبية بين أعمار الخلائق المختلفة تبيّن لك نسبيّة الطول والقصر باعتبار آخر. فمن الخلائق التي تعيش مئات السنين أو آلاف، من غير البشر،كالأشجار، والجبال ونحوها، وكالشياطين -وقد قال إبليس اللعين: ﴿قَالَ رَبِّفَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(الحجر: 36-38)- إلى الكائنات التي تعمر الشهروالأسبوع واليوم، كبعض الحشرات، من مثل النحل، والذباب، والفراش. فلو نظرت إلى مايشعر به المعمَّر مئات السنين

من أهم مصادر الجمال في الإسلام عقيدةُ اليومالآخر، لكننا لن نذوق جماليتها إلا بعد معرفة ما "العمر"؟ هذا الامتداد الزمانيالحاد المحدود، الذي يحد فترة حياة الإنسان، من الولادة إلى الممات. العمر هبةإلهية كبرى.. إنه تجلٍّ من تجليات الحياة، بيد أن حقيقته نسبية ككل حقائق الحياةالدنيا. فليس فيه -إذا تفكرت- طويل وقصير، وإنما هو قصير كله. فمن حيث منطق الأشياءوطبائعها: كل ما ابتدأ لينتهي لا يكون إلا قصيرا. أليس كل الناس يموتون بعد سنواتمن تاريخ ميلادهم؟! نعم، سنوات، وإن هي إلا سنوات، لا مئات السنين، ولا آلافها. ثم إن المقارنة النسبية بين أعمار الخلائق المختلفة تبيّن لك نسبيّة الطولوالقصر باعتبار آخر. فمن الخلائق التي تعيش مئات السنين أو آلاف، من غير البشر،كالأشجار، والجبال ونحوها، وكالشياطين -وقد قال إبليس اللعين: ﴿قَالَ رَبِّفَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(الحجر: 36-38)- إلى الكائنات التي تعمر الشهروالأسبوع واليوم، كبعض الحشرات، من مثل النحل، والذباب، والفراش. فلو نظرت إلى مايشعر به المعمَّر مئات السنين أو آلافَها وهو ينظر إلى عمر الإنسان لوجدته يتأسفعلى شدة قصره، ويأسى على الإنسان الذي لم يمد له في عمره إلا قليلا، وهو لا يدري أنعمره هو أيضا بالنسبة إلى من هو أطول عمرا قصير جدا.

قصرالأعمار

ولو نظرت أنت -باعتبارك الإنساني- إلى أعمار الحشرات التي تعيش شهراأو أسبوعا أو يوما، لأشفقت عليها من شدة قِصَرِ ما تعيشه من لحظات. ومما أرويه عنعلماء الأحياء، أن ضربا من الفراش يعيش دورته البيولوجية الكاملة، في مدة لا تتجاوزأربعا وعشرين ساعة. يكون بيضة، ثم يخرج منها، فيدبّ دودة، ثم يلتف حول نفسه فيغشائه، ليطير بعد ذلك فراشة، ثم يبيض ما شاء الله له ليخلّف ذريته بأمان، ثم يموت. كل ذلك في أربع وعشرين ساعة! وعندما كنتُ أقرأ أن بعض الحشرات يعيش ثمانية أيام علىالأكثر، كان يتبادر إلى ذهني أن تلك الحشرة إذا طال عمرها إلى اليوم الثامن، تنشدكما أنشد الشاعر العربي القديم: سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ ومَنْ يَعِشْ ثَمَانِينَ حَوْلاً -لاَ أبَا لَكِ- يَسْأمِ! واليوم الواحد بالنسبةإلى وجدان الحشرة كعشر سنوات كوامل، لا فرق. ولو نظرت إلى ما أخبر به الله عنالزمان الكوني في القرآن، لأدركت أن الأعمار كلها بالفعل قصيرة.

الزمان الكوني وتجلياته

والزمان الكوني صور وأقسام شتّى، يتجلى بعضها في بُعْدِه "المِعْرَاجِيّ"، وهو نوعان: الزمان الأمري والزمان الملائكي. فـ"الزمان الأمري" هوالمشار إليه في قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّاتَعُدُّونَ﴾(السجدة:5)، و"الزمان الملائكي" هو المشار إليه في قوله سبحانه: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(المعارج:4). كما يتجلى في صورة "الزمان العِنْدِيّ" وهوالمشار إليه في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍمِمَّا تَعُدُّونَ﴾(الحج:47). وهو زمان "الملائكة العندية" المشار إليها في قولهتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِوَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾(الأعراف:206){س}. ثم "الزمان الأخروي" وهوالزمان الخالد السرمدي الذي لا ينتهي أبدا. وفي ذهنك، أنت أيها المعمَّر مائةعام أنك عشت عمرا مديدا. نعم تماما كما عُمِّرَت الحشرةُ ثمانيةَ أيام، أو أربعاوعشرين ساعة. ولك أن تتفكر في نسبية الزمن عند تقلّب أحوال النفس الإنسانية،بين شتّى ضروب الانتظار مثلا.. عندما تنتظر حلول لحظة سعيدة لم يبق بينك وبينها إلالحظات يسيرة من دقائق معدودات.. تَشعُر أنها تمر ببطء شديد، وتقلق من "طول" الانتظار؛ فكأنّ وقع الدقائق تلك في نفسك عدة أعوام. وعندما تحلّ اللحظة السعيدة،تشعر -رغم طول مدتها بالنسبة إلى لحظات الانتظار- أنها قصيرة جدا، فكأن وقتها يتصرممنك تصرما. الزمن نسبي.. وتلك هي حقيقة الأعمار.

الطول والعرض في الأعمار

والعمر -عند التفكر في الخلق الإلهي- هو حقيقة الإنسان. إذ ليسالمرء إلا بداية ونهاية! ساعة ولادة فساعة وفاة. ولكن.. شتان شتان بين عمر وعمر! ليس ذلك باعتبار الطول والقصر؛ إذ الأعمار كلّها قصيرة كما أسلفنا، ولكن باعتبارالعرض والضيق، إذ قد يكون العمر طويلا -حسب العد البشري النسبي- ولكن يكون ضيقا منغير سعة. كما قد يكون قصيرا بالاعتبار نفسه، ولكنه عريض جدا، حتى لكأنه لا يكادينتهي أبدا. وبيان ذلك بالمثال التالي: هَبْ أن العمر عبارة عن طريق يقطعهاالإنسان، لها امتداد طولي وآخر عرضي. والعادة أن الإنسان إنما ينتبه إلى الطول؛ لأنذلك هو المتعلق بمفهوم الزمن (الماضي والحاضر والمستقبل)، ولكنه قلّما ينتبه إلىالعرض؛ لأن هذا إنما يتعلق بالأعمال والمنجزات خلال كل فترة من فترات الزمن. فالإنسان في سيره خلال عمره نوعان: نوع يخطو دون أن ينتبه إلى عرض الوقت،فيلتهم من طوله ما هو مقدّر له، فلا يشعر ببركة العمر مهما طال، حسب العد البشريالنسبي. ونوع ينتبه إلى العرض؛ ولذلك فهو إذ يخطو الخطوة الواحدة من عمره، لا ينتقلإلى الثانية حتى يخطو مثلها على عرض الطريق لا على طولها ليعيش باقي اللحظات التيهي من الخطوة الطولية الأولى نفسها التي خطاها. وهكذا يبقى يخطو على عرض الطريقحتى يستوعب كل عرضها. وحينئذ فقط، ينتقل إلى أمام ليخطو خطوة أخرى على طولها، ثميستأنف بعد ذلك خطوات العرض. فهو إذن يسير طولا وعرضا. إن مفهوم العرض رمز إلى استغلال الوقت استغلالا كاملا. لأن الناس -في الغالب- يعيشون اللحظة الواحدة، بمالا يكفي لعمارتها من الأشغال والأعمال. وربما أمضوها بالفراغ، وذلك هو ما يسمى بقتلالوقت. والعرض هو استنفاد كل الحيز الزمني للحياة بالمنجزات الإيجابية، والأعمالالحية التي تملأ رصيد العبد بالحياة الحافلة بالخير. وتلك هي "بركة العمر" المرجوةفي الأدعية المأثورة. وإني إذ أذكر هذا المعنى أذكر وصف الله للجنة بقوله سبحانه: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾(الحديد:21)، ذلك أن الجنة زمن خالد، فأنت تعيش اللحظةالواحدة مرات عديدة، لا تنقضي أبدا. كما أن نعمها الوفيرة لا تستنفد أبدا. فذلك هوالعرض ذو المعاني الجميلة. أما الطول فهو يوحي بالنهاية والزوال، ومن هنا لمتكن للأعمار قيمة من حيث طولها أو قصرها. وإنما البليد من الناس من يتشبث بالطولالدنيوي. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِخَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌبِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَبِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَايَعْمَلُونَ﴾(البقرة:94-96). ذلك أن جشع الكفار وجهلهم بحقيقة الحياة، يجعلهمينظرون للدنيا من خلال بُعْدٍ واحد، هو البعد الطولي. وهو بعد خداع، لأن الألف سنةفيه كاليوم لا فرق، ما دام الطول ينتهي إلى حد. والعدد في الوحدات الزمنية الدنيوية -كما رأيت- نسبي، ورب حشرة عاشت بضع لحظات، أو بضعة أيام، أزكى عمرا ممن عمر ألفسنة. ومتى كان الإنسان هو المقياس الحقيقي لوحدات الزمن؟!

العمر الطولي والعرضي

ومن هنا ذمّ الله الحياة الدنيا، من حيث هي طول يُتلهف فيه علىالمتع الزائلة، والمكاسب الفانية: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُالْغُرُورِ﴾(الحديد:20)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا لي وللدُّنْيا..؟ ما أنا فيالدنيا إلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تحت شَجَرَةٍ ثم رَاحَ وتَرَكَها!"(رواه الإمامأحمد والترمذي). والأحاديث في ذم الدنيا والركون إليها كثيرة جدا، تملأ أبوابَالرِّقَاقِ من كتب الحديث النبوي الصحيح. وهي لا تخرج في معناها عن التنبيه إلىخطورة النظر القاصر إلى الزمن، والتكالب على استنفاد لحظات العمر في عَدِّ طولٍ لايمنع من الموت شيئا. والجميل في الأمر أن العرض لا ينقضي بوفاة الإنسان، بل يمتدحتى بعد وفاته؛ فلا تجده يشعر ذلك الشعور اليائس الذي يزلزل نفسية الكفار، إذيشعرون عند ذكر الموت بهول "الفناء". وقد رأينا كثيرا من علماء الأمة الإسلاميةممن لم يعمَّر من حيث الطول إلا ثلاثا وخمسين سنة، كالإمام الشافعي رحمه الله، ولكنها أنت تراه -بعد وفاته بأكثر من ثلاثة عشر قرنا- يملأ الدنيا بالحياة. فهذا مذهبهالفقهي يملأ عرض الدنيا وطولها، وهذه كتبه العلمية تملأ كل أعمار الناس. فهل عاشالشافعي بضعا وخمسين سنة فقط؟! إنه نظر قاصر لمفهوم الزمن إذن. وكذلك الشأنبالنسبة للإمام النووي رحمه الله، الذي لم تزل مصنّفاته هي مادة التربية الإيمانيةلملايِين المسلمين، ككتاب "رياض الصالحين"، وكتاب "الأذكار"، و"الأربعين النووية"،و"شرح صحيح مسلم". فهذا الرجل العظيم قد عاش عمرا مباركا عريضا جدا، في خمس وأربعينسنة فقط. ومن المعاصرين الإمام حسن البنا رحمه الله الذي استشهد عن عمر لايتجاوز الثلاث والأربعين سنة، ولكنه لم يزل يمتد في حياة الأجيال امتدادا قويا، لاتحدّه مقاييس الأعمار الفانية.. إنك تراه هنا وهناك حيا، يحرك الأحداث المعاصرة،ويهز الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية هزا في كل مكان. أولئك قوم عرفوا كيفيعيشون عرض العمر، ولم يأبهوا لطوله الكاذب. وقد وجدنا النصوص القرآنيةوالحديثية تنبّه المسلمين إلى هذا المعنى العظيم، حيث يملك المرء معه أن يعيش حتىالتخمة، حياة حافلة بالحياة. يقول الله عز وجل في العبد يستثمر وقته في العملالصالح: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُيُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة:261)، وهو ما فسره النبيصلى الله عليه وسلم بقوله: "إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة"(متفقعليه). ويموت الإنسان لكن يمتد عرض عمره بعده. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوله"(رواه مسلم) وقال أيضا: "مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُمَنْ عَمِلَ بها بعده، من غير أن يُنْقَصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ."(رواه مسلم). وذلك كل فعل الخير الذي لا ينقطع أثره بالموت.

الحياة الآخرة

ثم إنالإيمان بالحياة الآخرة يشعر المسلم بأن الموت إنما هو مَعبر إليها، فلا يحس فيوجدانه العميق بأنه ينتهي بالموت؛ فيعيش الحياة بذوق آخر، ملْؤه العمل والأمل في أنتكون أخراه أفضل من دنياه.. فيا لبؤس عمر يعيشه الإنسان وهو يشعر بأن الموت هوآخر المطاف! انظر إلى هذه الإشارة الإلهية في وصف نفسية الملاحدة المنكرين للبعث،إذ يقتلهم اليأس، ويدمرهم القنوط. قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْيَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْصَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُاللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾(الأنعام:125)، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُالطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾(الحج:31). فانظر إلىهذا الزلزال النفسي، والشعور بالدمار والخراب في الحياة! الذي يملأ صدور الكفار،واليأس القاتل الذي يجثم على أحلامهم، لما يعيشونه من فقر شديد في العلم بالله. بينما يملأ هذا حياة المسلم سعة ورحمة، بسبب ما يتيحه له من آفاق أرحب، للنظر فيالحياة والكون والمصير. وفقدانه يعني فقدان التوازن النفسي حتما في التعامل مع العمر. هذا الرصيد الوحيد لدى الإنسان، الذي عليه أن يوظفه ليسعد أو ليشقى. ودون هذا الفضاء الواسع الرحب لا يوجد إلا اليأس القاتل، والخراب المدمر، وهو حالكل منكر للبعث من الكفار والملاحدة أجمعين. وما ذلك إلا لأنهم -كما وصفهم اللهتعالى- ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِالْقُبُورِ﴾(الممتحنة:13). ومن هنا فأنت ترى أن الباب الفسيح الذي يمد عمرالمسلم بالاتساع، إنما هو مفهوم "الغيب". هذا المفهوم الذي تقوم عليه العقيدةالإسلامية بأكملها. فهو الذي يملأ حياة العبد العامل أملا، ويغمر وجدانه حياةمتدفقة أبدا، لا يحدها أجل، ولا تقطعها وفاة! 

مجلة حراء: العدد13/2008


تاريخ النشر: 03 فبراير 2019

كافة الحقوق محفوظة لموقع الأستاذ ياسين العمري. 2024 ©

تصميم وتطوير كريم خويي